الأوراق المالية الإلكترونية

Photo by Austin Distel on Unsplash.

الأربعاء 1 جمادى الأولى 1437 هـ - 10 فبراير 2016م - العدد 17397 , صفحة رقم ( 22 )

يعتمد البشر على الأوراق النقدية في معاملاتهم التجارية، فقد كان الصينيون أول من ابتكر التعامل بالورق النقدي بين عامي 618 و900 للميلاد. وفي القرن السابع عشر، بدأ الأوروبيون بتبادل الأوراق النقدية مقابل ما يبتاعونه من سلع. ورغم أن بين الفترة التي ابتكر فيها الصينيون الورق النقدي و انتشاره حول العالم، عانى الصينيون أنفسهم أزمات اقتصادية تتعلق بالتضخم الاقتصادي نتيجة التوسع الشديد في طباعة الورق. وفي العام 1690 م طبعت أول ورقة نقدية في الولايات المتحدة لتغطية تكاليف حرب الملك وليام بين الإنجليز والفرنسيين والتي اندلعت في الشمال الشرقي للولايات المتحدة. كان الغرض الأساسي من تلك الأوراق النقدية أن تقدم للجنود كوثيقة يمكن استبدالها لاحقاً بما يعادلها من الذهب أو الفضة. وفي العام 1862 للميلاد، انطلقت العملة الورقية الرسمية للحكومة الأميركية والسماح باستخدامها في التعاملات التجارية. وبدأت مملكتنا الحبيبة بطباعة أول عملة نقد سعودي لغرض استخدامها كايصالات تقدم للحجاج عوضاً عن الريال الفضي السعودي حوالي العام 1953 للميلاد.

مع التطور الاقتصادي والتجاري في مختلف أجزاء العالم بين الأعوام 1880 و1890 للميلاد، بدأت بعض المصارف وكذلك المتاجر الكبيرة باستخدام الأوراق الاعتمادية التي تعطي لصاحبها الحق في تعويض هذه الأوراق بسلع كالملابس أو حتى استبدالها بالورق النقدي. وفي العام 1958 للميلاد، أطلقت شركة أميركان اكسبرس أول بطاقة ائتمانية من البلاستيك والتي سرعان ما انتشرت لاحقاً خارج الولايات المتحدة وخصوصاً في المملكة المتحدة.

بعد الوقوف على المشهد التاريخي للتعاملات النقدية، نود أن نستقرئ ما قد تؤول إليه المعاملات المالية في المستقبل القريب واضعين في عين الاعتبار التحول الاقتصادي الذي يشهده العالم إلى ذاك الاقتصاد الرقمي الذي نعيشه اليوم. فقد أصبحت التعاملات المالية اليوم يُعبر عنها بتغيرات رقمية في قواعد بياناتها البنكية. انفاقُنا اليومي، الحوالات المالية وجميع مدخراتنا الشخصية عبارة عن أرقام تُتداول عبر شبكة الإنترنت.

العديد من المحللين الاقتصاديين يستقرئون الاستغناء الكامل عن النقد قريباً وربما قريباً جداً. على النقيض، يختلف البعض الآخر في أننا قد نستغني تدريجياً عن النقد ولكن ليس من الأفضل الاستغناء الكلي عنه. من يؤيد المجموعة الأولى في التحول للعملة الإلكترونية يعللون موقفهم بفوائد تعزيز الجانب الأمني. فأغلب الأنشطة غير الشرعية من غسيل الأموال ، بيع المخدرات، الرشاوى والتحايل على الضرائب الحكومية أساس التعامل فيها على النقد والنقد فقط لصعوبة تتبع مصدره. ففي الولايات المتحدة الأميركية وحدها، قدر أحد الاقتصاديين بأن ما بين 18 إلى 20 في المئة من الإيرادات الشخصية لم تخضع للضريبة الحكومية. ومن المهم أيضاً أن نعلم أن طباعة ومراقبة و صيانة العملة الورقية مكلفة في بعض الدول حتى أنها قد وصلت إلى ما يقارب 1 في المئة من الدخل القومي لأحداها. أما من يعارض الاستغناء الكلي عن النقد يبررون موقفهم بأمثلة من الصعب التعامل فيها بالعملة الالكترونية كشراء الخضار، الأطعمة الخفيفة، أو شراء علبة من المياة في طريق عودتهم للمنزل و التي عادة يُتبادل فيها بمبالغ مالية بسيط جداً.

بعيداً عن الاقتصاديين، يرى خبراء التقنية في الهواتف المحمولة وسيلة التعامل المالي في المستقبل عبر تمرير الهواتف على أجهزة استشعار كهرومغناطيسية يمكن استخدامها في سداد العمليات المالية ذات القيمة البسيطة مع الإبقاء على البطاقات البنكية في العمليات ذات القيمة المالية المرتفعة. مما قد يعني لنا بأن بعض شركات الاتصالات قد تتحول تدريجياً إلى بناء شراكات يمكنها من لعب دور المصارف المالية لتداول الأموال الإلكترونية. ففي كندا اليوم - على سبيل المثال – غالبية البنوك المالية تسمح لعملائها بعمل حوالة مالية باستخدام البريد الإلكتروني للمستفيد فقط وهي تجربة ساهمت بشكل كبير في دعم التجارة الإلكترونية وإضافة المزيد من التسهيلات للعاملين من منازلهم.

*أستاذ هندسة البرمجيات المساعد بجامعة الملك سعود