رؤية المملكة والاستثمار في البيانات

Photo by NASA on Unsplash

السبت 13 رمضان 1437 هـ- 18 يونيو 2016م - العدد 1512314

سهلت التقنية التي نمتلكها اليوم في جمع ثروة كبيرة من البيانات التي تتفاقم قيمتها وأهميتها يوماً بعد يوم. الكثير من الأشياء التي طرأت مؤخراً في مجال البرمجيات ووسائل التواصل الاجتماعي غيرت الكثير من المفاهيم الهندسية للأنظمة وطرق التعامل مع البيانات، حتى غيرت أيضاً منابعها واستخلصت من خلالها على معلومات ذات قيمة. العالم اليوم أصبح يؤمن أكثر فأكثر بمفاهيم المدن الذكية وتوفير الطاقة وتحويل المنازل إلى منازل تفاعيلة بالإضافة إلى استخدام إنترنت الأشياء. أي أن جميع ما حولنا اليوم يتصل بالشبكة العنكبوتية ويساهم في إنتاج بعض البيانات بشكل مباشر أوغيره.

البيانات الضخمة أو ما يعرف ب (Big Data) بدأت تستجذب الباحثين والمهتمين في السنوات القليلة الماضية إلا أن سنة 2013 م امتازت بدخول الشركات التجارية الضخمة للاستثمار في هذا المجال. العامل الرئيسي للاستثمار في هذه البيانات هو عامل “تحليل” هذه البيانات. قد يتوارد لك أيها القارئ الكريم أن عملية تحليل البيانات ليس بالأمر الصعب مع وجود التقنية التي وصلنا إليها اليوم، ولكن الصعوبة تكمن في: تحديد مصدر وحجم البيانات الملائم، الهدف المراد الوصول إليه ، تحديد الأسئلة المراد الوصول لإجابات عليها. وعلى ضوء ما سبق شهد مجال تعدين وتحليل و مراقبة البيانات توسعاً غير مسبوق حيث سجل نمواً بما يقارب 65% منذ العام 2013 م.

لتوضيح أهمية البيانات بشكل أكبر، إليكم بعض هذه الأمثلة. في مجال شركات الطيران، ساعد تحليل البيانات لكثير من شركات الطيران الأميركية على تحسين خدمات العملاء من خلال تحليل البيانات الصوتية المسجلة عند التحدث لخط خدمة العملاء الهاتفي وكذلك سلوك المستخدمين عبر مواقع الحجز ووسائل التواصل الاجتماعي في إعادة صياغة الكثير من العروض السياحية. كذلك من خلال تسجيل معلومات الإقلاع والهبوط وتتبع الحقائب الإلكتروني، أصبح من السهل تتبع أهم النقاط المسببة لتأخر الرحلات أو ضياع الحقائب ومعالجتها بفعالية أكبر.

في قطاع توزيع البريد، أدى تحليل العديد من البيانات لإحدى شركات توزيع الطرود البريدية في الولايات المتحدة لتوفير ما يقارب عن 37 مليار دولار من خلال توفير بعض خطوط التوصيل بالمركبات والطائرات. هذا التخفيض في تكلفة النقل سببه تسجيل جميع الرحلات، الوقت الذي يستقطعه الموظف لتوزيع الطرود البريدية، تتبع مسار المركبة على الخريطة ومعرفة عدد الأميال، وكذلك تسجيل التكلفة اليومية من الوقود من إعادة جدولة خطوط التوصيل وتوزيعها على المستفيدين.

المجال الصحي من المجالات المهمة التي يتوقع لها نجاحاً باهراً في حين استغلت تحليل بيانات المرضى ومؤشرات استهلاك الأدوية بشكل فعال. الكثير من المؤشرات يمكن قراءتها في قياس فاعلية الخطة العلاجية وكذلك رصد الأعراض الجانبية. ولتسليط الضوء على ما يمكن أن تقدمه البيانات، أقدمت إحدى شركات التأمين الطبي لاستخدام بيانات تسعة ملايين مريض لتكتشف وجود ترابط بين تناول دواء معين وزيادة نسبة التجلط في الدم. ولذلك المسؤولية اليوم ليس فقط على المستشفيات بالمملكة لمشاركة بياناتها الصحية بل تشاركها شركات التأمين الطبية في مسؤولية دراسة هذه البيانات واستخلاص مؤشرات تساهم في دراسة الوضع الصحي للسكان بالمملكة وتتبع الأنماط الصحية التي يتعرض لها سكان الأحياء، المدن، وصولاً للمناطق.

في مجال المال والاستثمار، استطاعت إحدى الشركات المالية الاسترالية من بناء منصة معقدة لتحليل البيانات الضخمة من تحديد العديد من المتغيرات التي تمكن الشركة من تحديد المخاطر الاستثمارية حتى استطاعت عبر هذا التحليل من التنبؤ ب 25% من الشركات التي سجلت خسائر في مؤشراتها المالية.

إن رؤية المملكة 2030 التي شملت في أكثر من نص على أهمية توسيع نطاق الخدمات الإلكترونية، شددت في نفس تلك النصوص على أهمية استحداث منصات للبيانات ذات صفة مشاركة لتعزيز حوكمة العمل الحكومي بما يضمن استيعاباً أكبر عند اتخاذ القرارات.

أستاذ هندسة برمجيات