تسارع شبكات التواصل الاجتماعية

Photo by Austin Distel on Unsplash نشر في جريدة الرياض الثلاثاء 22 ذي الحجة 1436 هـ - 6 اكتوبر 2015 م - العدد 17270, صفحة رقم ( 26 ) ذكر ابن خلدون في مقدمته أن الاجتماع الإنساني ضروري، وأنه مدني بطبعه، واجتماعهم من ضروريات فطرته، وهذا المنطق يتناسق بانتظام في تفسير انتشار شبكات التواصل الاجتماعي اليوم بشكل لافت، وإن اختلقت الوسيلة والآلة. يبلغ عددنا اليوم معشر البشر على هذا الكوكب قرابة 7.3 مليار نسمة، ثلاثة مليارات منا يستخدمون الإنترنت بشكل دائم وهم يشكلون ما بين 44% و45% من مجمل المستخدمين للإنترنت بشكل عام. يبلغ من يملك من هؤلاء المستخدمين حساباً في شبكات التواصل الاجتماعي 1.7 مليار مستخدم، منهم 561 مليون مستخدم من دول شرقي آسيا فقط. شبكة فيس بوك اليوم إحدى هذه الشبكات الاجتماعية يبلغ عمرها إحدى عشرة سنة وتتربع اليوم على صدارة شبكات التواصل مجتمعة بما يقارب 1.3 مليار مستخدم. لك أن تتخيل أيها القارئ الكريم أن أقل من نصف مستخدمي الإنترنت بقليل يملكون حساباً على شبكتها. لمن لا يعرف شبكة الفيس بوك، فهي باختصار موقع يتيح لمستخدميه تكوين مجموعة من الصداقات يتبادلون فيها نصوصاً أو محتوى مصور يحاكي ما يدور في حياتهم الشخصية، ويمكن الأصدقاء فيه من التعليق وَ أو تقديم الإعجاب بالمحتوى المعروض. يتبادل المستخدمون اليوم من خلاله ما يقارب 4.5 مليار إعجاب يومياً. بعد هذا النجاح الكبير، أقدمت شبكة فيس بوك على التقدم بعرض شراء تطبيق السناب شات - إحدى تطبيقات تبادل المقاطع المصورة مقابل ثلاثة مليارات دولار أمريكي، وقد قوبل هذا العرض بسخرية لهذه القيمة التقديرية من قبل إدارة التطبيق. شعرت فيس بوك وقتها بضرورة الاسراع في استثمار قنوات أخرى خارج الفيس بوك وتقدمت بمبلغ ضاعف العرض السابق ولكن هذه المرة لتطبيق "واتز اب" الشهير مقابل تسعة عشر مليار دولار وابرمت الصفقة وقتها مسجلة رقماً قياسياً غير مسبوق. استطاعت لغات أخرى غير الإنجليزية النجاح في خلق شبكات تواصل اجتماعي ضخمة تنافس عالمياً باستخدام لغاتهم الإقليمية، على سبيل المثال في الصين وروسيا، نجحت شبكات كل من Qzone وVK في جلب ملايين المستخدمين في الصين وأوروبا. في الصين تحديداً، تميل وسائل التواصل الاجتماعي فيها إلى منحى ترفيهي من خلال الألعاب الجماعية بين المجموعات على مواقعها، ويعول بعض المختصين أن منحنى الألعاب الالكترونية هو العامل الأساسي في تسارع هذه الشكبات الإقليمية متفوقة على الشبكات العالمية التي لم تستطع المنافسة لأسباب أهمها الحظر المفروض. نجح أيضاً تطبيق Sina Weibo الصيني الذي يحاكي الشبكة الشهيرة "تويتر" من تقديم الميزات نفسها تماماً إضافة إلى منح خاصية التعليق على التغريدة وليس فقط الرد وإعادة التغريد مع إضافة التعليق الخاص، وقد حقق رقماً قياسياً إذ يحصل الموقع على زيارة من بين كل 100 زيارة تصفح على الإنترنت. يلاحظ في الشبكات الاجتماعية أن المستخدمين، وخصوصاً المراهقين منهم يبتعدون بقدر الامكان عن التواصل مع والديهم، أو من يقوم في مقامهم التربوي؛ لأن ذلك قد يجلب لهم سيلاً متراكماً من الأسئلة التي تعد بالنسبة إليهم تدخلاً واسعاً في تكوين صداقاتهم وقراءة ما يتناولونه من محتوى في هذه الشبكات. وما يهمنا تجاه هذا الجانب أن لهذه الشبكات انعكاساً على شخصياتنا وعلاقاتنا الأسرية ويغلب جانب الثقافة المحلية على المحتوى والأسلوب المقدم عبر صفحاتها، لذلك يبدو أننا نحتاج اليوم إلى مقدمة أخرى لابن خلدون في تفسير سلوكياتنا عبر وسائل هذا العصر وامتزاج شخصياتنا الحقيقية والافتراضية على الإنترنت.